روائع مختارة | قطوف إيمانية | التربية الإيمانية | الاستعداد الرمضاني.. ونصرة الشريعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > التربية الإيمانية > الاستعداد الرمضاني.. ونصرة الشريعة


  الاستعداد الرمضاني.. ونصرة الشريعة
     عدد مرات المشاهدة: 2242        عدد مرات الإرسال: 0

بينما نحن في انتظار قدوم هذا الشهر الفضيل؛ يغمرنا حالة من البشر ويحدونا حادي من الرجاء على أمل إدراك شهر الخير والفضائل.

ولعل بعضنا يذكر ذلك العام الفائت في نفس هذا الوقت، حين كان انتظار رمضان بتلهف وشغف.

حتى إذا ما حل ضيفًا بيننا سرعان ما انقضى الزمن ورحل الضيف العزيز وكأنها لحظات خاطفة، ففاز به من فاز وخسر من خسر وغنم من غنم، لكن شيئًا ما يجعل أحاسيسنا في هذا العام مختلفة متغيرة وأفكارنا ثائرة وقلوبنا نابضة.

إنه الشعور الجديد الذي شعر به الفرد المسلم مع هبوب رياح الثورات وانقشاع حقبة سوداء من حقب الاستبداد، شعور تختلط فيه مشاعر الكرامة والعزة، وأحاسيس القوة والقيمة.

يعدُّ هذا الشهر الفضيل فرصة عظيمة للتقرب إلى الله، والإقبال عليه، ومراجعة النفس وإعادة حساباتها، بل هو الفرصة الأعظم التي يضعف فيها عدوه ويكبل ولا يقوى على منازلته، ومن ثَم يستطيع أن يقهره ويهزمه بقليل من الجهد في هذه الفرصة السانحة.

ويعكس هذا الشهر ظلاله على خطى أهل الجهاد في الثغور وعلى أكمة الجبهات، حيث يهل هلال رمضان بالبشر وتأتي رياحه بما تشتهيه الأنفس من روائح النصر وبشائر التمكين، فالعادة جرت على أن المسلمين يبلون في هذا الشهر أفضل البلاء وأحسنه.

ولكن للدعاة في هذا الشهر مآثر وفتوحات أخرى، فهم لطالبي النجاة بمنزلة السمع والبصر، وهم الهداة المستبصرون لأهل الضلالات يفتح الله بهم آذانًا صمًّا وأعينًا عميًا وقلوبًا غلفًا.

وإن كان هذا ديدنهم وتلك وظيفتهم، فإن الوقائع والمتغيرات الجديدة أبت إلا أن تلقي عليهم قولاً ثقيلاً وحملاً لا يقوم به غيرهم.

لقد طرأ على واقعنا الكثير من المتغيرات التي قلبت صفحة قاتمة من تاريخنا المعاصر وآذنت ببداية صفحة جديدة، وصار بيننا وبين القوم رهان ونزال.

هذا النزال ليس مداره في الحقيقة على المعارك السياسية واقتسام مساحة في السلطة هنا أو هناك، بل مداره في الحقيقة على مقارعة الحجة بالحجة، والبينة بالبينة، وإجادة إدارة الموقف وروعة طرح البيان.

إن الساحة الحوارية والأطر الفكرية والوسائل الدعوية لتحتاج إلى كثير من إعادة الهيكلة ومراجعة مبادئ الخطاب وأهداف الدعوة الإسلامية.

ولا بد من تأهيل الجيل الواعي الذي يحسن التعبير عن الإسلام دون الانتقاص منه أو الزيادة فيه؛ فمعركة البيان هي أول المعارك التي نازل فيها النبي أعداءه.

بالرغم من أن قطاع كبير من قاعدة التصدي للدعوة هم قطاع الصم الذي لا يسمعون وإذا سمعوا لا يعقلون {وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُم مُّعْرِضُونَ} [الأنفال: 23].

ولكن أمانة الدعوة ورسالة الحق تقتضي من الدعاة ألا يلتفتوا إلى هذا القطاع وأن يصبروا عليه؛ لعلمهم أن هناك من ينتفع بهذه الدعوة ويرتفع بها، وليكن شاغلهم الشاغل في أداء حق هذه الدعوة وبيان حقيقتها وجلاء معانيها وإبلاغها للناس على الوجه الذي أنزلت عليه دون انحراف أو تغيير.

وهذه هي المهمة السامية التي هي على سموها لا يستطيع أن يقوم بها أي أحد، بل لا يحسن أداءها ولا تجلية كنوزها ونفائسها إلا من تربّى على حقيقة الإسلام الناصعة الصافية وفهم جوهر الصراع بين الحق والباطل على مدار التاريخ، فهي من أجل ذلك مهمة ثقيلة ولها تبعاتها.

إن الدعاة إلى الله لتنتظرهم مهمة عظيمة؛ مهمة من يكسب قلوب الناس ومن يحمله حرصه على أن يوقد لهم أصابعه شموعًا تضيء لهم الطريق وتنير لهم السبيل، دون أن يفرط هو في شيء من الحق إرضاء لأهوائهم وطلبًا لمرضاتهم؛ فالحق أن يحمل الناس إليه لا أن يحمله هو إليهم.

إن الصراع اليوم دائر على يجذب بفكرته عقول أهل التفكير والنظر، من يستأثر بأحقيته تأييد الجمهور، من يزيل عنهم غبار الغفلة ويمسح عنهم آصار الظلمة التي عاشوا في سوادها ردها من الزمان.

من يقدر بما لديه من رصيد إيماني ومنهج قرآني وسيرة واقعية وطريقة تستقيم على الرشد وتتجه نحو الجادة أن يقود الجموع لتحقيق سنة الخالق وبشارة النذير البشير .

لقد ثارت ثارات القوم لما رأوا تحرر المارد المكبل من أرصاف القيود، لما رأوا نهضته مكسرًا أغلالاً طالما عانى آلامها، فانتفضوا يذرون الغبار ليطمسوا وجهه ويخفوا معالمه، ولكن هيهات هيهات! فراحوا يبثون الشكوك والافتراءات.

ويثيرون الشبه والضلالات، ويشيعون المخاوف والريب بين الناس ليصرفوا وجوههم عن الدين وقلوبهم عن المنهاج الشامل، ويحولوا بكل ما أوتوا من قوة بين القرآن والسلطان أن يجتمعا من جديد.

ولكن هذا المارد لم تكتمل له الجهوزية لقيادة النهضة الشاملة، فالمفاجأة باغتت الكل ولم تخطر على بال أحد، فلقد قام للتو من محنته مثخنًا بالجراح، متفرق الأعضاء ومشتت القوى، ليس لديه كبير حظ لترتيب أوراقه أو لمِّ شعثه.

أو حتى تقييم نفسه وتقديم أكفائه وكوادره وتوظيفهم في الثغور، فراح يلتقط الأنفاس ويتحسس الخُطا ويستبصر الهوينا، لكن الأحداث عاجلته فكانت أخطف للبصر وأسرع من خُطا العقل، فكان السير دونما تأمل كافٍ أو نظر شاف.

وبالرغم من ذلك كله فلقد شَمَل الله الفئة المؤمنة بلطفه ورحمته، ومَنَّ على أهل هذه القرى بمننه وكرمه، وأعمل فيهم سننه التي لا تتبدل ولا تتخلف، فبدت النعم تترًا واحدة تلو أخرى، والنصر يتحقق بالرعب وبغير الرعب، وأهل الإيمان والبصيرة لا يحصون الله ثناء على ما كان وما جرى، فشكره تعالى ملأ قلوبهم وألسنتهم وأيديهم.

وأتت البشائر تلو البشائر ولوحت مؤشرات الهزيمة في صفوف أعداء الدعوة، حتى إنهم كادوا يوقنون الهزيمة، ويقرون بالضعف، بل واعترفت قوى الأرض أنها في مواجهة جديدة ومرحلة قادمة لها طبيعة مختلفة عن ذي قبل.

ومن أجل ذلك اجتمع أعداء الدعوة على هدف واحد ووحدوا صفوفهم وقدراتهم على معاداة الإسلام وتشويه صورته وتخويف الناس منه، وتوظيف الطاقات الإعلامية وبقايا السحر الفرعوني لنشر هذا الإفك وبث تلك الدعايات، فكان لزوبعتهم أثر وصدى كبير في جنبات المجتمع الوليد.

فبداية لا بد من وقفة نذكر فيها كيف أن هذه النعم التي أنعم الله بها على أهل الإيمان هي محض إنعام وفضل من الله، ولا بد وأن تقابل بالثناء والشكر، وأن يحافظ عليها بمزيد محافظة على أوامر الله وعدم الاغترار بالظواهر والماديات عن وعد الله وبراهين البينات، فالذي أخرج بعضنا من ظلمة الاستبداد والقهر إلى نور البيان وانطلاقة الدعوة هو سبحانه ذو القوة المتين الذي بيده مقاليد كل شيء.

وما عنده لا يُدرَك إلا بطاعته ولا ينال إلا بتقواه وحسن عبادته، فإن كنا طرف في معركة البيان بين الحق والباطل, فإنا معتصمون في ذلك بالله لا بغيره، مستمسكين بحبله غير منصرفين عما أمرنا الله به مهما كان.

وتبقى المهمة في أعناق الدعاة وأهل العلم والصالحين من أهل الخير والبذل أن يفتحوا أذرعهم لتفهيم الناس دين ربهم، وتعريفهم بشريعة خالقهم ومبدعهم، وإيضاح العقيدة الصحيحة التي اعتراها الكثير من التحريف والانحراف.

إن الفرصة في هذا الشهر سانحة لتعريف الناس بربهم وربط قلوبهم به وأن يعرفوا أن لهم ربا قد اتصف بصفات الكمال وتسمى بأسماء حسنى وهو لا يأمر ولا ينهى إلا لحكمة، فشريعته ستار لحكمته وعدله نافذ على جميع الخلائق ويختص الله بفضله من يشاء ويبذل عطاياه لمن يريد ويعفو عن الكثير.

إن هذا الشهر باب عظيم للزود عن حياض الدين ورد سهام الشبهة في نحور قائليها، وإظهار حجج الله ودلائله وبراهينه للناس حتى يوقنوا أن الله هو الحق المبين، وأن الحياة الدنيا ليس هي نهاية المطاف، وأن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون.

إن هذا الموسم من أعظم مواسم الرحمة والبر، وإن من أعظم البر إعلام الناس بمقاصد الشريعة وشموليتها كمنهج متكامل لصيانة الحياة البشرية من الانحراف، فالذين يختزلون فهم الشريعة في مجرد العقوبات أو الحدود.

والذي يقصرون عن إدراك هيمنتها على غيرها من الأنظمة والنظريات، هؤلاء هم الغرقى الذين أوشكوا على الهلاك والدعاة إلى الله هم أصحاب طوق النجاة الذي يمدون يد الغوث والإعانة، فينجي لله برحمته من يشاء.

إنه الفرصة الأعظم لنصرة الشريعة وإظهار أحقيتها للحكم، وصلتها بأصل دين الإسلام، وبيان محاسن التحاكم إليها والكفر بما سواها من أهواء البشر وقوانينهم، وأنها كل لا يتجزأ ونظام رباني شامل لكل منحى من مناحي الحياة.

وأن الخروج عنها بالرد والإعراض أو التشكيك فيما جاءت به أو في أحقيتها في الحكم والهيمنة؛ كل هذا يعد من نواقض دين الإسلام وحبوط جميع الأعمال بحيث لا تقبل معه صلاة ولا صيام ولا إيمان.

إن مهمة الدعاة إلى الله كبيرة وشاقة وأمامها عقبات كبيرة ولكنها مصحوبة بالتأييد والمعية، إنها دعوة منصورة وراية عالية، إنها دعوة تخاطب الرصيد الفطري في داخل مكنونات البشر، وتجليه بأنوار الوحي ومصابيح الهداية حتى يفيء الناس لربهم، فهي دعوة الحق التي لا تنحني وتعوج، ولا تنثني ولا تنطفئ، فهو قويمة رشيدة، واعية مستبصرة.

وأول واجب على الدعاة في سبيل إنجاح مهمتهم هو تجريد القصد وإصلاح النوايا، وكف أذى الألسن عن بعضهم البعض إلا ببيان حق أو نصرة معتقد، ثم الصبر على الأذى في سبيل ذلك، مستمسكين بخطاب عقدي نقي واضح ومنهج علمي أصيل، وحركة نشطة في نشر الدعوة وبثها في الآفاق.

الخطاب العقدي الواضح هو دعوة التوحيد الخالص وعقيدة أهل السنة والجماعة التي هي مبدأ الواجبات على أهل التكليف وأولى الأولويات في قضايا البيان، فعلى الدعاة تحديد أهداف الدعوة ومقاصدها وإعلانها واضحة جلية لا خفاء فيها، ثم تحديد أهداف المرحلة الحالية وجمع الجهود لتحقيق هذه الأهداف دون تشتت أو تمزق.

فالإسلام ديننا وبضاعتنا التي نسعى لترويجها، والناس زبائننا والعلمانيون والمتحررون خصوم ومنافسون على درجة عالية من الرداءة وسوء الخلق، فالحيطة واجبة والحذر من أساسيات الطريق.

فإذا كانت بضاعتنا الذهب وبضاعة غيرنا التراب؛ بقي إذن مهارتنا في الترويج والحذر من مكائد المنافسين غير الشرفاء، والمحافظة على نقاء الذهب من أن تشوبه الشوائب ويعكر صفوه الكدر، ثم الحكمة في ذلك كله حتى يعلم غدًا مَن الظافر المظفر مِن المغبون المحقر ومَن -بإذن الله- هم الرابحون المنصورون.

فمن ثَمَّ بات من الأهمية بمكان الاستعداد من الآن في تجهيز وسائل الدعوة وإعداد رسائلها وباقاتها التي تحقق كل تلك الغايات السامية في نصرة الشريعة والزود عن حياضها، فلنحشد الطاقات إذن ونوظف الجهود في اختيار الوسائل المؤثرة.

وتنويع الرسائل الدعوية، وإتقان الخطاب الرقراق العاطفي والدخول إلى أعماق النفس من كل طريق، والطرق عليها طرقًا خفيفًا حانيًا حتى تفيق من سباتها وتنهض إلى تغيير ما بها، ويحسن أن نقوم من الآن بإعداد الباقات الدعوية وبطاقات التهنئة ورسائل الجوال، وإعدادات البرامج الهادفة.

كما علينا أن نعد الخطب والأفكار ونرتب الخواطر ونتأهب للحوار، وأن نخوض كل طريق مشروع يخلي بيننا وبين تبليغ دعوة ربنا عز وجل.

الكاتب: محمود محمد الزاهد

المصدر: موقع قصة الإسلام